فصل: نكبة الوزير ابن صدقة وولاية نظام الملك.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.أخبار دبيس مع المسترشد.

قد ذكرنا مسير العساكر إلى دبيس مع برسق الكركوي سنة أربع عشرة وكيف وقع الاتفاق وبعث دبيس أخاه منصورا رهينة فجاء برتقش به بغداد سنة ست عشرة ولم يرض المسترشد ذلك وكتب إلى السلطان محمود بأن دبيس لا يصلحه شيء لأنه مطالب بثأر أبيه وأشار بأن يبعث عن البرسقي من الموصل لتشديد دبيس ويكون شحنة ببغداد فبعث إليه السلطان وأنزله شحنة ببغداد وأمره بقتال دبيس فأقام عشرين شهرا ودبيس معمل في الخلافة ثم أمره المسترشد بالمسير إليه وإخراجه من الحلة فاستقدم البرسقي عساكره من الموصل وسار إلى الحلة ولقيه دبيس فهزم عساكره ورجع إلى بغداد في ربيع من سنة ست عشرة وكان معه في العسكر مضر بن النفيس بن مهذب الدولة أحمد بن أبي الخير عامل البطيحة فغدا عليه عمه المظفر بن عماد بن أبي الخير فقتله في انهزامهم وسار إلى البطيحة فتغلب عليها وكاتب دبيس في الطاعة وأرسل دبيس إلى المسترشد بطاعته وأن يبعث عماله لقرى الخاص يقبضون دخلها على أن يقبض المسترشد على وزيره جلال الدين أبي علي بن صدقة فتم بينهما ذلك وقبض المسترشد على وزيره وهرب ابن أخيه جلال الدين أبو الرضي إلى الموصل وبلغ الخبر بالهزيمة إلى السلطان محمود فقبض على منصور أخي دبيس وحبسه وأذن دبيس لأصحاب الإقطاع بواسط في المسير إلى إقطاعهم فمنعهم الأتراك بها فجهز إليهم عسكرا مع مهلهل بن أبي العسكر وأمر مظفر بن أبي الخير عامل البطيحة بمساعدته وبعث البرسقي المدد إلى أهل واسط فلقيهم مهلهل بن أبي المظفر فهزموه وأسروه وجماعة من عسكره واستلحموا كثيرا منهم وجاء المظفر أبو الخير على أثره وأكثر النهب والعيث وبلغه خبر الهزيمة فرجع وبعث أهل واسط بتذكرة وجدوها مع مهلهل بخط دبيس فأمره بالقبض على المظفر فمال إليهم وانحرف عن دبيس ثم بلغ دبيس أن السلطان محمودا سمل أخاه منصورا فانتقض ونهب ما كان للخليفة بأعماله وسار أهل واسط إلى النعمانية فأجلوا عنها أصحاب دبيس وتقدم المسترشد إلى البرسقي بالمسير لحرب دبيس فسار لذلك كما نذكر ثم أقطع السلطان محمود مدينة واسط للبرسقي مضافة إلى ولاية الموصل فبعث عماد الدين زنكي بن أقسنقر ولد نور الدين العادل.

.نكبة الوزير ابن صدقة وولاية نظام الملك.

قد ذكرنا آنفا أن دبيس اشترط على المسترشد في صلحه معه القبض على وزيره جلال الدين أبي علي بن صدقة فقبض عليه في جمادى سنة ست عشرة وأقام في نيابة الوزارة شرف الدين علي بن طراد الزينبي وهرب جلال الدين أبو الرضي ابن أخي الوزير إلى الموصل وبعث السلطان محمود إلى المسترشد في أن يستوزر نظام الدولة أبا نصر أحمد بن نظام الملك وكان السلطان محمود قد استوزر أخاه شمس الملك عثمان عندما قل الباطنية بهمذان وزيره الكمال أبا طالب السميري فقبل المسترشد إشارته واستوزر نظام الملك وقد كان وزر للسلطان محمد سنة خمسمائة ثم عزل ولزم داره ببغداد فلما وزر وعلم ابن صدقة أنه يخرجه طلب من المسترشد أن يسير إلى سليمان بن مهارش بحديثة غانة فأذن له فسار ونهب في طريقه وأسر ثم خلص إلى مأمنه في واقعة عجيبة ثم قتل السلطان محمود وزيره شمس الملك فعزل المسترشد أخاه نظام الدين أحمد عن وزارته وأعاد جلال الدين أبا علي بن صدقة إلى مكانه.

.واقعة المسترشد مع دبيس.

كان دبيس في واقعته مع البرسقي قد أسر عفيفا الخادم ثم أطلقه سنة سبع عشرة وحمله إلى المسترشد رسالة بخروج البرسقي للقتال يتهدده بذلك على ما بلغه من سمل أخيه وحلف لينهبن بغداد فاستطار المسترشد غضبا وأمر البرسقي بالمسير لحربه فسار في رمضان من سننه ثم تجهز للخليفة وبرز من بغداد واستدعى العساكر فجاءه سليمان بن مهارش صاحب الحديثة في بني عقيل وقرواش بن مسلم وغيرهما ونهب دبيس نهر الملك من خاص الخليفة ونودي في بغداد بالنفير فلم يتخلف أحد وفرقت فيههم أموال والسلاح وعسكر المسترشد خارج بغداد في عشر ذي الحجة وبرز لأربع بعدها وعبر دجلة وعليه قباء أسود وعمامة سوداء وعلى كتفه البردة وفي يده القضيب وفي وسطه منطقة حديد صيني ووزيره معه نظام الدين ونقيب الطالبيين ونقيب النقباء علي بن طراد وشيخ الشيوخ صدر الدين إسمعيل وغيرهم فنزل بخيمة وبلغ البرسقي خروجه فعاد بعسكره إليه ونزل المسترشد بالحديثة بنهر الملك واستحلف البرسقي والأمراء على المناصحة وسار فنزل المباركة وعبى البرسقي أصحابه للحرب ووقف المسترشد وراء العسكر في خاصته وعبى دبيس أصحابه صفا واحدا وبين يديهم الإماء تعزف وأصحاب الملاهي وعسكر الخليفة تتجاذب القراءة والتسبيح مع جنباته ومع أعلامه كرباوي بن خراسان وفي الساقة سليمان بن مهارش وفي ميمنة البرسقي أبو بكر بن إلياس مع الأمراء البلخية فحمل عنتر بن أبي العسكر من عسكر دبيس على ميمنة البرسقي فدحرجها وقتل ابن أخي أبي بكر ثم حمل ثانية كذلك فحمل عماد الدين زنكي بن أقسنقر في عسكر واسط على عنتر بن أبي العسكر فأسره ومن معه وكان من عسكر المسترشد كمين متوار فلما التحم الناس خرج الكمين واشتد الحرب وجرد المسترشد سيفه وكبر وتقدم فانهزمت عساكر دبيس وجيء بالأسرى فقتلوا بين يدي الخليفة وسبى نساؤهم ورجع الخليفة إلى بغداد في عاشوراء من سنة سبع عشرة وذهب دبيس وخفي أثره قصد غزية من العرب فأبوا من ذلك إيثارا لرضا المسترشد والسلطان فسار إلى المشقر من البحرين فأجابوه وسار بهم إلى البصرة فنهبوها وقتلوا أميرها وتقدم المسترشد للبرسقي بالانحدار إليه بعد أن عنفه على غفلته عنه وسمع دبيس ففارق البصرة وبعث البرسقي عليها زنكي بن أقسنقر فأحسن حمايتها وطرد العرب عن نواحيها ولحق دبيس بالفرنج في جعبر وحاصر معهم حلب فلم يظفروا وأقلعوا عنها سنة ثمان عشرة فلحق دبيس بطغرل ابن السلطان محمد وأغراه بالمسترشد وبملك العراق كما نذكر.